الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
و وجهه أن تخص بالقرآن ولا يجعل قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ} علة للأنزال في الليلة بل هو تفصيل لما أجمل في قوله سبحانه: {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة} [الدخان: 3] على معنى فيها أنزل الكتاب المبين الذي هو المشتمل على كل مأمور به حكيم كأنه جعل الكتاب كله أمرًا أو ما أمر به كل المأمورات وفيه مبالغة حسنة، ولا يخفى أن في فهمه من الآية تكلفًا.وقال الخفاجي في أمر الفصل: إنه لا يضر ذلك الفاصل على الاعتراض وكذا على التعليل لأنه غير أجنبي.وجوز بعضهم على تقدير أن يراد بالأمر ضد النهي كونه مفعولا له والعامل فيه {يُفْرَقُ} أو {أَنزَلْنَا} أو {مُّنذِرِينَ}.وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {أَمْرٍ} بالرفع وهي تنصر كون انتصابه في قراءة الجمهور على الاختصاص لأن الرفع عليه فيها.وقوله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هو السميع الْعَلِيمُ (6)}.تعليل ليفرق أولقوله تعالى: {أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا} ورحمة مفعول به لمرسلين وتنوينها للتفخيم، والجار والمجرور في موضع الصفة لها، وإيقاع الإرسال عليها هنا كإيقاعه عليها في قوله سبحانه: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2] والمعنى على ما في (الكشاف) يفصل في هذه الليلة كل أمر لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة أي أن المقصود الأصلي بالذات من ذلك الرحمة أوتصدر الأوامر من عندنا لأن من عادتنا ذلك والأوامر الصادرة من جهته تعالى من باب الرحمة أيضًا لأن الغاية لتكليف العباد تعريضهم للمنافع، وفيه كما قيل إشارة إلى أن جعله تعليلًا لقوله سبحانه: أمرًا من عندنا إنما هو على تقدير أن يراد بالأمر مقابل النهي وهو يجري على تقديري المصدرية والحالية.وفي (الكشف) أن قوله: يفصل الخ أوتصدر الأوامر الخ تبيين لمعنى التعليل على التفسيرين في {يُفْرَقُ} [الدخان: 4] لأنه أما بمعنى الفصل على الحقيقة من قسمة الأرزاق وغيرها أوبمعنى يؤمر والشأن المطلوب يكون مأمورًا به لا محالة فحاصله يرجع إلى قوله: أو تصدر الأوامر من عندنا لا لوجهي التعليل من تعلقه بيفرق أوبأمرًا فإن تعلقه بأمرًا إنما يصح إذا نصب على الاختصاص وإذ ذاك ليس الأمر ما يقابل النهي لأن الأمر إذا كان المقابل فهو إما مصدر وإنما يعلل فعله وإما حال مؤكدة فيكون راجعًا إلى تعليل الأنزال المخصوص وليس المقصود وإنما لم يذكر المعنى على تقدير تعلقه بأمرًا لأن المعنى الأول يصلح تفسيرًا له أيضًا انتهى.والظاهر كون ذلك تبيينًا لوجهي التعليل، وما ذكر في نفيه لا يخلوعن بحث كما يعرف بالتأمل، واعتبار العادة في بيان المعنى جاء من كنا فإنه يقال: كان يفعل كذا لما تكرر وقوعه وصار عادة كما صرحوا به في الكتب الحديثية وغيرها ولافادة ذلك عدل عن أنا مرسلون الأخصر وقوله سبحانه: {مِن رَبّكَ} وضع فيه الظاهر موضع الضمير والأصل منا فجىء بلفظ الرب مضافًا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم على وجه تخصيص الخطاب به صلى الله عليه وسلم تشريفًا له عليه الصلاة والسلام ودلالة على أن كونه سبحانه ربك وأنت مبعوث رحمة للعالمين مما يقتضي أن يرسل الرحمة.وقال الطيبي: خص الخطاب برسوله عليه الصلاة والسلام والمراد العموم، والأصل من ربكم وجىء بلفظ الرب ليؤذن بأن المربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وليكون تمهيده يبتني عليه التعليل الاتي المتضمن للتعريض بواسطة الحصر بأن الهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئًا وتعقب بأنه لوأريد العموم لفاتت النكتة المذكورة ولزم أن يدخل المؤمنون في قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} [الدخان: 7] وما بعده وليس المعنى عليه وفي القلب منه شيء وفسر بعضهم الرحمة المرسلة بنبينا صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن صحة التعليل تأبى ذلك.وجوز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} بدلًا من قوله سبحانه: {إنا كنا منذرين} [الدخان: 3] الواقع تعليلًا لأنزال الكتاب بدل كل أواشتمال باعتبار الإرسال والأنذار، ويكون {رَحْمَةً} حينئذٍ مفعولا له أي أنزلنا القرآن لأن عادتنا إرسال الرسل والكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم واختيار كون الرحمة مفعولا له ليتطابق البدل والمبدل منه إذ معنى المبدل منه فاعلين الأنذار ويطابقه فاعلين الإرسال ولم يجوز كونها كذلك على وجه التعليل بل أوجب كونها مفعولا به ليصح إذ لوقيل: فيها تفصيل كل شأن حكيم لأنا فاعلون الإرسال لأجل الرحمة لم يفد أن الفصل رحمة ولا أنه سبحانه مرسل فلا يستقيم التعليل قيل وينصر نصب رحمة على المفعول قراءة الحسن وزيد بن علي برفعها لأن الكلام عليه جملة مستأنفة أي هي {رَحْمَةً} تعليلًا للإرسال فيلائم القول بأنها في قراءة النصب مفعول له وليطابق قراءتهما في كون معنى {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} إنا كنا فاعلين الإرسال، وقال بعض أجلة المحققين: أن القول بأنه تعليل أظهر من القول بأنه بدل ليكون الكلام على نسق في التعليل غب التعليل، ولما ذكر في الحالة المقتضية للإبدال ولوقوع الفصل، وأشار على ما قيل بما ذكر في الحالة المقتضية للإبدال بأن المبدل منه غير مقصود وأنه في حكم السقوط وههنا ليس كذلك، وتعقب هذا بأنه أغلبي لا مطرد، وقوله: لوقوع الفصل أي بين البدل والمبدل منه بأن الفاصل غير أجنبي فلا يضر الفصل به فتدبر، وجوز كون رحمة مصدرًا لرحمنا مقدر وكونها حالًا من ضمير {مُرْسِلِينَ} وكونها بدلًا من {أمْرًا} فلا تغفل {إِنَّهُ هو السميع} لكل مسموع فيسمع أقوال العباد {العليم} لكل معلوم فيعلم أحوالهم، وتوسيط الضمير مع تعريف الطرفين لإفادة الحصر، والجملة تحقيق لربوبيته عز وجل وأنها لا تحق إلا لمن هذه نعوته، وفي تخصيص {السميع العليم} على ما قال الطيبي إدماج لوعيد الكفار ووعد المؤمنين الذين تلقوا الرحمة بأنواع الشكر.{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من {رَبَّكَ} [الدخان: 6] أو بيان أو نعت.وقرأ غير واحد من السبعة والأعرج. وابن أبي إسحاق. وأبو جعفر. وشيبة بالرفع على أنه خبر آخر لأن أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب، والجملة مستأنفة لإثبات ما قبلها وتعليله {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم ممن عنده شيء من الإيقان وطرف من العلوم اليقينية على أن الوصف المتعدي منزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى ما يتعلق به، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من أهل الإيقان علمتم كونه سبحانه رب السموات والأرض لأنه من أظهر اليقينيات دليلًا وحينئذٍ يلزمكم القول بما يقتضيه مما ذكر أولا، ويجوز أن يكون مفعوله مقدرًا أي إن كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم عمن خلق السموات والأرض فقلتم الله تعالى خلقهن، والجواب أيضًا محذوف أي إن كنتم موقنين في إقراركم بذلك علمتم ما يقتضيه مما تقدم لظهور اقتضائه إياه، وجعل غير واحد الجواب على الوجهين تحقق عندكم ما قلناه، ولم يجوزوا جعله مضمون {رَبّ السموات} الخ لأنه سبحانه كذلك أيقنوا أم لم يوقنوا فلا معنى لجعله دالًا عليه، وكذا جعله مضمون ما بعد بل هذا مما لا يحسن باعتبار العلم أيضًا.وفي هذا الشرط تنزيل إيقانهم منزلة عدمه لظهور خلافه عليهم، وهو مراد من قال: إنه من باب تنزيل العالم منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، قيل: ولا يصح أن يقال: إنهم نزلوا منزلة الشاكين لمكان قوله سبحانه بعد: {بْل هُمْ في شَكّ} [الدخان: 9] ولا أرى بأسًا في أن يقال: إنهم نزلوا أولا كذلك ثم سجل عليهم بالشك لأنهم وإن أقروا بأنه عز وجل رب السموات والأرض لم ينفكوا عن الشك لإلحادهم في صفاته سبحانه وإشراكهم به تعالى شأنه.وجوز أن يكون {مُّوقِنِينَ} مجازًا عن مريدين الإيقان والجواب محذوف أيضًا أي إن كنتم مريدين الإيقان فاعلموا ذلك، وفيه بعد، وأما جعل {إن} نافية كما حكاه النيسابوري فليس بشيء كما لا يخفى.{لاَ إله إِلاَّ هو} جملة مستأنفة مقررة لما قبلها، وقيل: خبر لمبتدأ محذوف أي هو سبحانه لا إله إلا هو؛ وجملة المبتدأ وخبره مستأنفة مقررة لذلك، وقيل: خبر آخر لأن على قراءة {رَبّ السموات} [الدخان: 7] بالرفع وجعله خبرًا، وقيل: خبر له على تلك القراءة وما بينهما اعتراض {لاَ إله} مستأنفة كما قبلها، وكذا قوله تعالى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءآبائكم الأولين} بإضمار مبتدأ أو بدل من {رَبّ السموات} على تلك القراءة أو بيان أو نعت له، وقيل: فاعل ليميت، وفي {يُحْىِ} ضمير راجع إليه والكلام من باب التنازع أو الى {رَبّ السموات}، وقيل: {لاَ إله} خبر آخر لرب السموات وكذا {رَبُّكُمْ} وقيل: هما خبران اخران لأن، وقرأ ابن أبي إسحاق. وابن محيصن وأبو حيوة والزعفراني وابن مقسم والحسن وأبو موسى وعيسى بن سليمان وصالح كلاهما عن الكسائي بالجر بدلًا من {رَبّ السموات} على قراءة الجر، وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي بالنصب على المدح. اهـ.
|